تبدو الآمال معقودة بقوة على الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، خلال الأيام المقبلة، وهو الأمر الذي يتوق له العالم منذ شهور طويلة، بينما كانت الدولة المصرية لاعبا رئيسيا في هذا الإطار، في ضوء ما تقوم به من وساطة فعالة، واتسمت بقدر عال من النزاهة، بالشراكة مع دولة قطر، بين أطراف الصراع، مما لاقى إشادة دولية واسعة، من قبل العديد من القوى الدولية، ومن بينهم حلفاء تل أبيب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، في ضوء البيانات التي سبق وأن أصدرها البيت الأبيض، في العديد من المناسبات للتأكيد على الاعتماد بصورة كبيرة على الجهود التي تبذل في هذا الإطار، وهو ما يعكس بجلاء الأهمية الكبيرة التي يحظى بها الدور المصري، على العديد من المسارات، منها ما يرتبط باللحظة الراهنة، في ضوء العدوان القائم منذ ما يزيد عن العام، بينما يرتبط البعض الآخر فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بأسرها.
ولعل التحول الكبير في الدور المصري، خلال الأزمة الراهنة، يتجلى بوضوح في تعزيز القضية، ورعايتها وعدم الانجراف وراء محاولات الاحتلال الإسرائيلي لصرف الأنظار عنها لحساب غزة والتهديد القادم منها، في أعقاب "طوفان الأقصى"، خلافا لما كان عليه الأمر لعقود طويلة، عندما كان إنهاء التوتر في القطاع، ولو بصورة مؤقتة أولوية قصوى، وهو ما بدا في التحركات السريعة التي اتخذتها الدولة المصرية لتحقيق توافقات كبيرة حول الالتزام بالشرعية الدولية، والقائمة على حل الدولتين، وهو ما يعكس إدراكا عميقا لأهداف العدوان التي تجاوزت ذريعة الدفاع عن النفس، نحو تصفية القضية، وهو ما بدا في دعوات تهجير سكان القطاع من جانب، ثم فصل غزة عن الضفة من جانب آخر، وهي الأهداف التي مورست من أجلها أقصى الانتهاكات التي تندى لها الأجبان، في الوقت الذي سعت فيه سلطات الاحتلال نحو عرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
في اللحظة نفسها، احتفظت بدور الوساطة، باعتباره جزءً لا يتجزأ من إدارة مرحلة العدوان، في إطار وقف إطلاق النار، معتمدة على نهج الشراكات الإقليمية، مع قطر، أو الدولية، في ضوء وجود الولايات المتحدة، وهو ما يساهم بصورة كبيرة في الضغط على أطراف الصراع للرضوخ إلى نداء العقل، وهو ما ترجمته العديد من المشاهد، ربما أبرزها الارتباك الذي شهدته العلاقة بين أمريكا وإسرائيل خلال العديد من مراحل العدوان، والتي دفعت بنيامين نتنياهو إلى الضغط على الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، عبر خطابه إلى الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية، بالتزامن مع اقتراب انتخابات الرئاسة، التي كانت تخوضها نائبة الرئيس كامالا هاريس، مما دفع مقاطعة ديمقراطية قابلها تصفيق جمهوري متواصل، يعكس حالة من المكايدة بين الحزبين الرئيسيين في واشنطن، وتبرز شرخا سياسيا عميقا جراء الانقسام الجائر في المشهد الأمريكي.
والشراكات التي تبنتها الدولة المصرية، لم تقتصر على مسألة الوساطة، لوقف إطلاق النار، وإنما امتدت إلى إدارتها للقضية برمتها، وهو ما يبدو في ثنائيات متعددة، منها ثنائية مصر والأردن، والتي ترعى فيها القاهرة الشق السياسي، في الوقت الذي تتولى فيه عمان رعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وثنائيتها مع المملكة العربية السعودية، في إطار تنظيم القمم الطارئة، لحشد التوافقات الدولية والإقليمية، وهو ما بدا في قمة القاهرة للسلام التي جاءت بعد أيام معدودة من بدء العدوان، لبناء توافق دولي واسع النطاق، بينما تبعها قمة عربية إسلامية في جدة في العام الماضي، ثم في الرياض في العام الجاري، لتحقيق إجماع إقليمي داعم للقضية وثوابتها، وشرعيتها، وفي القلب منها حل الدولتين.
الشراكات المصرية لدعم فلسطين تجاوزت في واقع الأمر النطاق الإقليمي الضيق، المرتبط بالشرق الأوسط، وإنما سعت إلى استخدام عمقها الإفريقي، عبر تعزيز علاقاتها مع القوى الرئيسية في القارة، وهو ما بدا في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وهو ما يتماهى مع الدعوة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة جدة في نوفمبر 2023، عندما دعا مباشرة إلى تفعيل مبدأ المحاسبة الدولية ضد الاحتلال إثر ما ارتكبه من انتهاكات على الأراضي الفلسطينية، وهي الدعوى التي انضمت لها مصر، وقدمت فيها مرافعة تاريخية.
الجهود المصرية تتواصل باستضافة قمة جديدة غدا، لدول مجموعة الثماني النامية، والتي ستسلط الضوء على القضية، لتكون منبرا جديدا لتعزيز الشرعية الدولية، ولممارسة مزيد من الضغط الدولي من أجل وقف إطلاق النار، في غزة، وهو ما يبدو في دعوة مصر للرئيس الفلسطيني محمود عباس للمشاركة في فعاليات القمة، والتي ستشهد حضورا تركيا وإيرانيا عالي المستوى، يتمثل في رئيسا البلدين مسعود بزيشكسان، ورجب طيب أردوغان، في انعكاس صريح للتوافق الكبير بين القوى الإقليمية على الكيفية التي ستدار بها المرحلة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة