هل سبق لك أن شعرت بأنك عالق فى وظيفة تحبها، لكنك تكافح من أجل البقاء فيها؟ هل تشعر بأنك غير قادر على تحقيق إمكاناتك الكاملة بسبب بيئة عمل سامة؟ وهل شعرت يومًا بالخوف من التعبير عن رأيك فى العمل؟ هذا الخوف، النابع غالبًا من عدم الثقة فى المدير أو البيئة المحيطة، هو مشكلة مُتفشية تُؤثر سلبًا على أدائنا، صحتنا، وحتى حياتنا الشخصية.
فالتنمر، التمييز، عدم الاعتراف بالإنجازات أو عدم تقدير الجهود، إلى جانب عدم وضوح الأدوار، وغياب آليات للشكاوى، أمثلة على السلوكيات التى تدمر الثقة فى بيئة العمل وتجعل من الصعب علينا الازدهار والتقدم، ولكن هل هناك حل لهذه المشكلة؟ كيف يمكننا بناء علاقات عمل مبنية على الاحترام والصدق؟ فى هذا المقال، سنتناول أسباب ضياع الثقة فى بيئة العمل، وآثارها المدمرة، وسنستكشف استراتيجيات عملية لبناء علاقات عمل صحية وإنتاجية.
أصبح مفهوم "الثقة" فى أداب العلوم الإدارية ظاهرة هامة وموضع اعتراف متزايد من الباحثين، باعتبار ثقة العاملين فى قادتهم أداة فعالة فى المنظمات، وأن القيادة والثقة هما أمران أساسيان فى بيئة العمل.
كما ينظر إلى عملية بناء الثقة بين الإدارة والعاملين؛ كواحدة من المفاهيم الحديثة فى العلوم الإدارية التى يعتقد قدراتها على تحسين أداء العنصر البشرى داخل بيئة العمل، وقد أكد تقرير معهد "Great Place to Work" على أن الثقة المتبادلة بين القادة والموظفين هى ركيزة أساسية لخلق بيئة عمل مثالية، والتى تنعكس على شعور الموظفين بالأمان والراحة فى التعاون مع زملائهم، وتبادل الأفكار والمقترحات لتطوير العمل وتحقيق الإبداع والابتكار.
ولا تفقد الثقة بين العاملين والمديرين دون أسباب بل هناك مجموعة من العوامل الهامة التى تؤثر على الثقة داخل بيئة العمل، ومنها غياب الشفافية والعدالة فى المعاملة، فشل المديرين فى الوفاء بوعودهم، إلى جانب عدم وجود قنوات تواصل فعالة بين الإدارة والموظفين، وعدم الاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم مما يزيد من الشعور بعدم الاهتمام، فضلًا عن غياب القادة القادرين على إلهام الموظفين وتوحيد جهودهم يضعف الرؤية المُستقبلية، كلها عوامل رئيسية تؤدى إلى فقدان الثقة بين الإدارة والموظفين.
ويمكن القول إن فقدان الثقة فى بيئة العمل ليس مجرد شعور شخصى، بل هو مشكلة مؤسسية تؤثر على أداء المنظمة بأكملها، عندما يشعر الموظفون بعدم الثقة فى قيادتهم وزملائهم، فإنهم يفقدون الحافز والرغبة فى الإبداع، هذا يؤدى إلى انخفاض الإنتاجية، وزيادة التوتر، وتدهور العلاقات بين الأفراد، علاوة على ذلك، فإن فقدان الثقة يدفع الموظفين الموهوبين إلى البحث عن فرص عمل أخرى، ما يؤدى إلى ارتفاع معدلات التسرب الوظيفى.
لذا ينظر إلى الثقة فى بيئة العمل كركيزة أساسية لاستدامة المنظمات وازدهارها، وعندما تتعمق الثقة بين أفراد الفريق، يشعر الموظفون بالتمكين والانتماء، والأمان الوظيفى هذا الشعور يحفزهم على الابتكار، ويرفع مستوى أدائهم، مما يُسهم فى تحقيق نجاح مُستدام للشركة.
ويمكن للمديرين بناء الثقة فى بيئة العمل، من خلال سلسلة من المُمارسات الإيجابية، ومنها: عقد اجتماعات منتظمة للاستماع إلى آراء الموظفين، توفير فرص للتطوير المهنى، الاعتراف علنًا بإنجازاتهم، وتطبيق سياسات عمل عادلة ومنصفة، هذه الممارسات تُعزز الشعور بالعدالة والإنصاف وتشجع على المشاركة الفعالة.
أما أنت أيها الموظف فإن السؤال الذى يطرح نفسه، كيف تجد طريقك فى متاهة العلاقات المهنية، إن بناء الثقة ليس علاقة أحادية بل لابد أن تكون بين طرفين، فلو لم تجدها من الطرف الآخر فلا تيأس أو تستلم لشعور القلق والخوف أو عدم الأمان، بدلًا من ذلك، ابنى ثقتك بنفسك وقدراتك، واعلم أنك تستحق الأفضل، لا تتردد فى المطالبة بحقوقك، ولا تخف من البحث عن فرص جديدة إذا لم تجد بيئة عمل داعمة، تذكر أن العالم ملىء بالفرص، وستجد بالتأكيد المكان الذى تستحق فيه أن تزدهر وتنمو.
واخيرًا، أن الثقة هى أساس العلاقات الناجحة، سواء فى الحياة الشخصية أو المهنية، فعلى المستوى المهنى عندما نشعر بالثقة فى بيئة عملنا، نشعر بالحماس والإلهام لتقديم أفضل ما لدينا، هذا يؤدى إلى زيادة الإنتاجية والإبداع والسعادة الوظيفية، لذلك، يتحمل الجميع مسئولية بناء بيئة عمل إيجابية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل.
الدكتورة هويدا عزت كاتبة وباحثة فى العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة