مسرحية بلاىPLAY على مسرح الغد ليست مجرد عرض مسرحى تقليدى، بل هى تجربة فنية مبتكرة تدعوك منذ اللحظة الأولى للغوص فى عالم يتشكل أمام عينيك، تتجاوز المسرحية الحدود التقليدية بين المتفرج والمسرح، حيث يتحول الجمهور إلى جزء من العملية الإبداعية، ويشارك فى رحلة تمتد لمدة ساعة ونصف تُبرز ثراء المسرح كفن حى ينبض بالحياة.
اختيار اسم بلاىPLAY ليس اعتباطيًا، بل هو مدخل لفهم أعمق للفكرة المركزية للعمل. كلمة "PLAY" تُشير فى الإنجليزية إلى اللعب والتمثيل معًا، ما يعكس جمالية الارتجال، والتلاعب بين العفوية والتخطيط، حيث تصبح المسرحية مساحة حرة يتم فيها الخلق الفنى بمشاركة الجميع.
المسرحية من تأليف د. سامح مهران، الذى نجح فى مزج العمق بالعفوية. الخطوط الدرامية تتداخل ببراعة، ليخلق عرضًا يبدو فى بعض الأحيان كأنه لا يتبع نصًا ثابتًا، بل يتشكل لحظة بلحظة، وجعل مساحة التمثيل على مستويين داخل اللعبة، وهى إحدى تقنيات مسرح السامر، وهى أسلوب مسرحى يعتمد على التفاعل والارتجال بين الممثلين والجمهور.
حافظ المخرج د. محمد عبد الرحمن الشافعى على التناغم بين الارتجال من جهة، والتخطيط المنظم للإيقاع المسرحى من جهة أخرى، وكانت شخصية حارس الأمن، التى جسدها ببراعة الفنان على كمالو، من أبرز أدوات العرض التى أحدثت تأثيرًا مزدوجًا؛ حين يقطع المسار التصاعدى للحكاية المتخيلة، وفى الوقت نفسه يوفر بدخوله المفاجئ مساحة لزملائه فى العرض لتغيير الإكسسوارات والديكور أمام أعين الجمهور، مما يعطى إحساسًا بأن العالم المسرحى يُعاد تشكيله مع كل لحظة.
ينطلق العمل من فكرة مبتكرة حول بروفات لمسرحية لم تُعرض بعد، يبدأ العرض بدخول الممثلين من وسط الجمهور ومن خلف الديكور، مما يُحوّل البحث عن فكرة المسرحية إلى حكاية تُرتجل لحظيًا.
تدور حبكة المسرحية المتخيلة حول أسرة مصرية بسيطة: الأب الذى عاد من الغربة محملًا بتأثيراتها النفسية، الجد الأرمل الذى يعيش فى ذكريات حبه القديم، الأم التى تواجه صعوبات الحياة مع أبنائها، الابن منسى الهارب من الواقع بالغرق فى عالم آخر مع صديقه مشعل، والجارة الحسناء التى تضيف توترًا وصراعًا إلى النص المسرحي، لتتطور الأحداث فى إطار درامى مشحون بلحظات من التراجيديا والكوميديا.
قدّم الممثلون فى بلاى PLAY أداءً متنوعًا وعميقًا، حيث جسّد كل منهم شخصيتين فى آن واحد، الأولى هى شخصياتهم التى يمثلونها داخل العرض؛ جلال عثمان بأدائه الرفيع، قدّم دور مخرج العرض وفى ذات الوقت جسّد دور الأب العائد من الغربة، أما عبير الطوخي، فقد قدمت فى بلاىPLAY أداءً لافتًا يعكس تنوع شخصياتها، فى المستوى الأول، جسدت دور ممثلة محصورة فى أدوار الأم، بينما فى المستوى الثاني، قدمت شخصيتين مختلفتين تمامًا؛ الأولى كانت الأم التى تكافح من أجل أسرتها، والثانية كانت فتاة الديسكو.
كل هؤلاء الممثلين، بما فى ذلك نائل علي، أحمد نبيل، إيمان مسامح، ووليد الزرقاني، قدّموا نوعين من التمثيل، الأول هو تقمّص الشخصية فى المستوى الأول للنص، والثانى هو الشخصية التى يؤدونها داخل الحكاية المرتجلة، هذا المزج يجمع بين حرفية الممثل المسرحى والتلقائية، إذ عند عودتهم إلى الشخصية الأولى (التقمّص) يصبحون أكثر عفوية، فى خلفية المشهد يمارسون أفعالًا طبيعية مثل المتفرج الذى قد ينشغل لثوانٍ بمتابعة إشعار على هاتفه أو شرب الماء.
جاء تصميم الديكور والإكسسوارات من قِبَل دينا زهير بشكل ذكى ومتوافق مع الطبيعة الارتجالية للعرض، تم استخدام عناصر ديكور بسيطة لكنها فعّالة، مما سهّل التحولات السلسة بين منزل العائلة والديسكو، ثم العودة إلى أجواء البروفات. أما الإضاءة، التى صممها عز حلمي، فلعبت دورًا محوريًا فى تحديد المزاج العام للمشاهد المختلفة وتعزيز التباينات بين الواقع والمتخيَّل.
التكوين الدائرى لمقاعد الجمهور، الذى أحاط بالفضاء المسرحي، كان عنصرًا مميزًا ومن تقنيات مسرح السامر، هذا التصميم جعل الجمهور شاهدًا ومشاركًا ضمنيًا فى الأحداث، مما عزز شعور الانغماس فى التجربة المسرحية.
مسرحية بلاىPLAY تمثل تجربة مسرحية مبتكرة تجمع بين الارتجال والحرفية المسرحية، الأداء المتميز والتفاعل مع الجمهور والتصميم الذكى للإضاءة والديكور يجعل منها عملًا فنيًا يثير التفكير ويحفز التفاعل، ومع ذلك، لا يمكن أن تكتمل تجربتها إلا إذا كنت مستعدًا للانغماس الكامل فى اللحظة، حيث يكون الفن حيًا ومتغيرًا مع كل ثانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة