عادل السنهورى يكتب: فى يوم ميلاد الزعيم والاحتفال بانتهاء مشروع السد.. حكاية المهندس صدقى سليمان.. لماذا اختاره عبد الناصر أول وآخر وزيرا للسد العالى؟

الأربعاء، 15 يناير 2025 10:00 ص
عادل السنهورى يكتب: فى يوم ميلاد الزعيم والاحتفال بانتهاء مشروع السد.. حكاية المهندس صدقى سليمان.. لماذا اختاره عبد الناصر أول وآخر وزيرا للسد العالى؟ الزعيم جمال عبد الناصر والمهندس صدقى سليمان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يوم 15 يناير يكون قد مضى على ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر 107 أعوام ويكون قد مر -أيضا- 54 عاما على إعلان مصر الانتهاء من بناء مشروع السد العالى بكافة مراحله، وهو المشروع الذى يعد "أعظم مشروع هندسى فى القرن العشرين"، خاضت مصر من أجله معركة وطنية كبرى وقدم الشعب المصرى تضحيات كثيرة من أجل إنجاز هذا العمل الضخم، كما قدم نموذجا لقدرته على التحدى والبناء والعمل عندما استطاعت السواعد المصرية بناء السد العالى بكل إصرار وعزيمة.. بعد أن وضع الزعيم جمال عبد الناصر مع الزعيم السوفيتى خروشوف حجر الأساس يوم 9 يناير 1960، ليبقى يوما خالدا فى ذاكرة التاريخ، وعلامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث.

وتوجه الدكتور هانى سويلم، وزير الرى والموارد المائية بالتحية والتقدير لكل من شارك فى تحقيق هذه الملحمة التاريخية، حينما كتب العاملون بهذا المشروع تاريخًا عظيمًا يُروى لأجيال عديدة قادمة، عندما تمكنوا من ترويض الطبيعة الصخرية فى جنوب مصر ليبنوا السد العالى كعلامة بارزة وخالدة فى تاريخ مصر. وقد حمى هذا المشروع مصر من الجفاف والفيضانات على مدى عشرات السنوات.

وأكد الدكتور سويلم أنه حريص على المتابعة الدائمة لمنظومة السد العالى وخزان أسوان، ومتابعة أعمال تطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالى، والوقوف على حسن سير العمل من أعمال رصد المناسيب والتصرفات المائية المارة من السد العالى على مدار 24 ساعة، مشيدًا بفريق العمل المتميز الذى يدير هذا المنشأ الهام ومعربًا عن تقديره وشكره للعاملين بالسد العالى لعملهم الدائم بإخلاص وعدم ادخار أى جهد لخدمة بلادهم. وأضاف أن الوزارة تقوم بتطوير وتحديث منظومة السد العالى وأجهزة الرصد والمتابعة تحت مظلة الجيل الثانى لمنظومة الرى فى مصر.

وتابع: "إننا سنحتفل أيضًا خلال أيام بذكرى قيام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بافتتاح مشروع السد العالى فى يوم 15 يناير 1971، هذا اليوم الذى أصبح عيدًا قوميًا لمحافظة أسوان".

الزعيم جمال عبد الناصر والمهندس صدقى سليمان (2)
الزعيم جمال عبد الناصر والمهندس صدقى سليمان 

 

وفى مثل هذا اليوم يتم الاحتفال بالمشروع الذهبى من قدامى العاملين فى السد العالى من البناة ويتذكر الجميع الرجل الذى سطر اسمه بحروف من نور وصنع من أجله منصب وزير السد العالى وبعد إنجاز المهمة صدر قرار بإلغاء المنصب، ليصبح المهندس محمد صدقى سليمان أول وآخر وزيرا للسد العالى فى مصر. وبعدها تولى منصب مستشار رئيس الجمهورية ورئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات حتى قدم استقالته عام 78، وآثر أن يبقى فى الظل ولم تستهويه الأضواء أو تغريه كتابة المذكرات رغم كل إنجازاته فى المناصب التى تولاها.

البداية كانت عام 1953 حيث قررت مصر بناء السد العالى وتشكلت لجنة لوضع تصميم للمشروع، وتم وضع تصميم السد العالى فى عام 1954 تحت إشراف المهندس موسى عرفة والدكتور حسن زكى، بمساعدة عدد من الشركات العالمية المتخصصة. وقد لجأت مصر آنذاك لتأميم قناة السويس فى عام 1956 لتوفير الموارد المالية اللازمة لبناء السد العالى، ليتم توقيع اتفاقية بناء السد العالى فى عام 1958 ووضع حجر الأساس فى عام 1960.

لكن كيف اختاره الرئيس جمال عبد الناصر وزيرا للسد العالى؟
بدأت قصة صدقى سليمان مع السد العالى عام 1962، حيث كانت معدلات إنجاز السد العالى ضعيفة، وتشير إلى خطر قادم، وجدول خطة العمل يشير إلى ضرورة وجوب الانتهاء من المرحلة الأهم فى بناء السد العالي -تحويل مجرى النيل- قبل مايو 1964.

يتزايد القلق فى عام 1962، من فيضان سيجرف كل الجهود، ويتسبب فى خسارات اقتصادية وسياسية ومائية، سترتفع المياه فى شوارع القاهرة إلى أكثر من خمسة سنتيمترات، إذا لم يتم الانتهاء من الأعمال المطلوبة خلال عامين، لتنقلب الأمور رأسًا على عقب، باختيار الرئيس جمال عبد الناصر، صدقى سليمان، لإعادة "كفة ميزان" العمل إلى الوضع المثالي. وقال إن الحل عند صدقى سليمان، خاصة بعد نجاحه فى العديد من الإنجازات مثل المشاركة فى تأسيس المصانع الحربية، ومصانع الحديد والصلب، وشركة سيماف، وشركات التعدين، ولمنحه كل الصلاحيات اللازمة، قرر ناصر إنشاء وزارة مستقلة للسد العالي.

لم يطلب صدقى سليمان الكثير لتنفيذ رغبة الرئيس جمال عبد الناصر فى متابعة إنشاءات السد، فقد كان له مطلبان، وافق عليهما الرئيس الراحل فورا. وهما منحه صلاحيات رئيس الجمهورية، وخط تليفون مباشرًا إلى مكتب رئيس الجمهورية. وأصبح المهندس محمد صدقى سليمان أول وآخر وزيرا للسد العالى.

كان عمر المهندس صدقى سليمان 43 عاما فقط وقت اختياره وزيرًا للسد العالى عام 1962 -فهو من مواليد 1919 قرية السيفا، مركز طوخ، محافظة القليوبية- وأدى مهمته بنجاح فى هذا المشروع العظيم، سجلت اسمه بحروف من نور فى تاريخ مصر كأحد بنائيها العظام.. يذكر الكاتب الصحفى عمر طاهر، فى كتابه «صنايعية مصر»، ان صدقى سليمان عقب اختياره ويرا للسد العالى سافر الى أسوان واخترع مبدأ «لا تقدم أوراق ولكن تكلم»، هجر مكتبه وبقى فى أرض الميدان يستقبل الشكاوى بنفسه ويتخذ فيها قرارات على الهواء، وهو يقف وسط قناة الأنفاق، أو فى مجرى التحويل أو قيادة كراكة.. أصدر قرارات بانتداب ضباط مهندسين، وضم من انتهت خدمة التجنيد إلى العمل، وإقامة معهد يقدم دورات تدريبية على العمل فى السد وقرر بأن تكون سنة الدراسة الأخيرة لطلبة الدبلوم الصناعى فى أسوان على هامش العمل فى السد.

الزعيم جمال عبد الناصر والمهندس صدقى سليمان (1)
الزعيم جمال عبد الناصر

كانت مسألة الحضور والانصراف (تبديل الورديات)، التى كانت تستنزف وقتا من ساعات اليوم، من التحضيرات والترتيبات، فقرر أن يعمل رئيس كل وردية ساعة إضافية يحضر مبكرا، للتعرف على المطلوب منه والمشكلات التى واجهت ما قبله، ما ساهم فى زيادة إنتاجية كل وردية.

والى جانب ذلك، خصص أماكن لإقامة أسر العمال المتزوجين، بها مجمعات استهلاكية، وسهل من إجراءات نقل أبنائهم لمدارس أسوان.

كان قانون سليمان، الذى سار عليه كل من عمل فى بناء السد العالى، وكأنهم ركبوا قطارًا، لا يعرف محطات سوى محطة النجاح.

يضيف طاهر أن المهندس صدقى سليمان «قرر أنه لا ساعة عمل تزيد عن الثمانى ساعات المقررة بدون مقابل، ولا تجاوز لمعدلات الإنجاز المطلوبة بدون مكافأة تشجيعية تبدأ بخمسة جنيهات إلى مائة جنيه، وفى الوقت نفسه لا يمر خطأ ولو صغير بدون عقاب، ووضع قانونا جديدا «لا راحة ولا إجازات حتى نهد الجبل»، وساعدته الروح التى بثها فى المكان على تقبل الفكرة، ثم وضع لافتة كبيرة «باقى من الزمن «..» يوما" كانت تلهب حماس الجميع. حيث عرفت عنه مقولته الشهيرة: "علمنا بناء السد أن الصبر لا يكمن فى الاستسلام للزمن.. ولكن فى مقاومته".

بقى فى أسوان بدون إجازات، حتى تمام بناء السد، وكانت المجموعة التى يقودها سليمان تضم أكثر من 30 ألف عامل مصرى وخبراء روس.

عند سفره لأول مرة إلى أسوان وتكليفه بوزارة السد العالى فؤجئ بأن محطة الأوتوبيس التى كانت أمام منزله بأول شارع الهرم – أصبح معرضا لإحدى شركات السجاد الشهيرة فيما بعد ـتم إزالتها صباح يوم تكليفه بالوزارة- وبسؤاله عن سبب ذلك، قالوا إنه لغرض أمنى، فغضب وطلب إعادة الأمر إلى ما كان عليه "رحمة بالناس".

موقف آخر عندما علم بأن من بين طلاب المدارس الذين كانوا يزورون السد العالى أثناء مراحل العمل أولاده وتم التعامل معهم بصورة مميزة عن باقى الطلبة بتقديم وجبات خاصة لهم بدلا من الوجبات المعتادة المقررة للطلبة، فثار غاضبا وأخرج من جيبه ثمن الوجبات التى تم إحضارها لأولادها وتنبيه من قام بذلك بعدم تكرار الأمر مع أى شخص مهما كانت صلته به.

وتقديرا لنجاحه والإنجازات التى تحققت فى مشروع بناء السد العالى، منحه الزعيم جمال عبد الناصر وشاح النيل يوم 16 مايو عام 1964.

المهندس صدقى سليمان
المهندس صدقى سليمان

 

بعد نجاحه المذهل فى تجربة السد العالى أصبح صدقى سليمان مؤهلا لرئاسة «حكومة الإنجاز»، وكان تاريخه إنسانيا وعمليا ينبئ بما وصل إليه.. ويحكى الكاتب الصحفى سعيد الشحات فى يومياته "ذات يوم" أن المهندس صدقى سليمان وزير السد العالى عاد يوم 10 سبتمبر من عام 1966 بعد إجازة 20 يوما فى الإسكندرية، وكانت أطول إجازة حصل عليها منذ أن بدأ عمله وزيرًا للسد العالى فى سبتمبر 1962، ورغم إجازته إلا أنه كان على صلة مستمرة بأجهزة العمل فى السد العالى، وعمليات نقل معداته الثقيلة، وأضخمها، حتى الآن، مروحة التوربين الأول التى وصلت إلى الإسكندرية بداية شهر أغسطس 1966، وأجريت لها استعدادات كبيرة لنقلها فى النيل إلى أسوان.

كان صدقى سليمان، يستعد للعودة إلى أسوان لمباشرة مشروع السد العالى، لكن أبقاه الرئيس جمال عبد الناصر لمهمة جديدة، وهى رئاسة الوزراء يوم 10 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1966، خلفًا لزكريا محيى الدين، حسب الأهرام فى نفس اليوم «10 سبتمبر. كان «صدقى سليمان» يبلغ من العمر وقتئذ 47 عاما.

جاء اختياره رئيسًا للوزراء من باب إنجازه الكبير فى مشروع السد العالى، وعبرت «الأهرام» عن ذلك بقولها على لسان «مصدر مسؤول»: «اختيار صدقى سليمان رئيسًا للوزراء يعبر عن الاتجاه الأساسى الذى وضعه الرئيس جمال عبد الناصر للقدرات المطلوبة فى المرحة المقبلة حين قال: "إننا يجب أن نضع فى خدمة العمل الوطنى قدرة الإنجاز التى تجلت فى بناء السد العالى وكفاءة الإدارة التى ظهرت فى قناة السويس".

كلفه عبد الناصر بتشكيل الحكومة فى سبتمبر عام 1966، واستمر به حتى 19 يونيو 1967، حيث شكل عبد الناصر الحكومة بنفسه بعد النكسة، وعين وزيرا للصناعة والكهرباء والسد العالى، كما أصبح عضوا فى المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى، والمشرف على هيئة قناة السويس عام 1969.

ثم اختير مستشارا لرئيس الجمهورية فى الثامن من نوفمبر عام 1970م، وفى الخامس عشر من يناير عام 1971م، منحه الرئيس السادات قلادة النيل تقديرا لمهماته فى خدمة الوطن. وتولى رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات فى يناير عام 1971م حتى استقالته عام 1987م.

ولد المهندس محمد صدقى سليمان فى 7 سبتمبر عام 1919 بقرية السيفا فى مركز طوخ بمحافظة القليوبية، وبعد أن تخرج فى كلية الهندسة عام 39، واصل دراسته فى العلوم العسكرية، وحصل على الماجستير فيها، وفى حياته العملية يطبق، بوصفه مهندسا، نظرية هندسية تقول، إن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين، وهذا يعنى أن الوصول إلى هدف يقضى أن يأخذ العمل اتجاها مباشرا ناحية هذا الهدف، ويمثل تحليل الأرقام هواية عنده، وأكثر قراءاته هى الكتب التى تعالج المشكلات الاقتصادية، والساعات المفضلة لديه للقراءة هى المتأخرة من الليل، أما أوقات فراغه فمن عادته أن يقضيها فى المنزل مع زوجته وأولاده.

للمهندس صدقى سليمان أولاد، أكبرهم منى، ثم عمرو ثم وهيبة ومحمد وكان يبدأ يومه بتلاوة بعض آيات القرآن الكريم، وهو حريص على أداء الصلاة فى أوقاتها، وعندما يكون فى بيته بأول شارع الهرم يؤدى صلاة الجمعة فى جامع صغير بقرية تقع على الضفة الغربية للنيل مصطحبا معه ولديه عمرو ومحمد.

على الصعيد العملى، فإن صدقى سليمان ساهم فى إنشاء المصانع الحربية، وعين فى بداية ثورة 23 يوليو 1952 بمجلس الإنتاج القومى، ثم سكرتيرا عاما للجنة التخطيط القومى عام 1956، وشارك فى الدراسات الخاصة بالسد العالى قبل تنفيذه، كما شارك فى الدراسات التى أسفرت عن إنشاء مصانع «الحديد والصلب وسيماف وكيما»، وفى عام 1957 أصبح مديرا للمؤسسة الاقتصادية التى كانت نواة للقطاع العام، وتتبعها 60 شركة زادت بعد قرارات التأميم إلى 120 شركة».

بعد استقالته من رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات عام 87، فضل المهندس صدقى سليمان الحياة فى ولم يعرف عنه ميل أو هوى الى الإعلام والأحاديث الصحفية والأضواء، ولا الى المجتمعات العامة وما يعتريها من نشاط، وهكذا قدر له أن ينجو من مغرياتها ومن مغباتها على حد سواء،حتى توفى فى 28 مارس عام 1996م، عن عمر ناهز الـ77 عامًا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة