منذ عدة سنوات وفى أحد برامج المسابقات الغنائية التى تتم بين الأطفال، كان هذا البرنامج الذى تتم التصفية الأولى بين أكثر من مائة طفلة وطفل، والذى تفسر تصفيته الأولى عن تصعيد حوالى خمسين طفلا، كانت نسبة المشاركين من مصر تتخطى الستين فى المائة تقريبا، وهى النسبة نفسها التى تم تصعيدها إلى المرحلة التالية.
أصوات جميلة وفتية تتصدى للغناء لكبار مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم، يصحبهم فى التصوير اثنان أو ثلاثة من أهلهم ويتم تصوير أثر لحظات الفوز على المصاحبين، بما يمنح المشاهد طاقة إيجابية وسعيدة بمتابعة تلك اللحظات بالإضافة إلى المتعة الكبيرة فى متابعة هذه الفتاة أو ذلك الفتى الذى لا يختلف كثيرا عن من نراهم حولنا فى كل مكان.
من الطبيعى أن يكون لمصر النصيب الأكبر فى هذه الأصوات المتقدمة والفائزة فى المراحل الأولى ربما بالقياس إلى نسب السكان وربما للحمولة التاريخية الفنية والثقافية التى تحملها مصر، لكن من بين كل هؤلاء استرعى انتباهى وقتها أحد هؤلاء المتسابقين، وهو الذى قدم أولى فقراته مرتديا الجلباب الصعيدي، وقدم نفسه بأنه مصرى صعيدي، وكان يصاحبه فى رحلته أخوه وأخته اللذين يدل مظهرهما كما تدل ردود أفعالهما على أنهم من عمق الصعيد وأن بهم من رقة الحال ما يجعلهم يخشون حتى التعبير عن انفعالاتهم، كانوا يمثلوننا ويشبهون أغلبية من نعرفهم.
تابعت الفتى الذى صعد للأدوار النهائية، والذى كان كلما يتقدم ينال الإعجاب بشكل أكبر، ربما لأنه قد بدأ فى التدرب بصورة أكثر احترافية، لكن الملاحظة الأكثر وضوحا أنه كان يشعر بجفاف الحلق مع تصاعد المواجهة، لدرجة أنه يضطر إلى أن يبتلع (ريقه) وسط الغناء مما يؤثر على أدائه، وربما كان هذا هو السبب الرئيسى فى خسارته فى المرحلة النهائية.
على مدار السنوات التى تلت ذلك البرنامج تابعت أخبار الفتى الذى أعلن اعتزاله الغناء والتفرغ للعبادة، ثم عودته للغناء ثم اعتزاله ثم عودته قبل انقطاع أخباره، وإنتاج أغنية خفيفة له ثم عدم وفائه بالتعاقد ثم سفره للخارج، فى صورة توحى بالتذبذب الشديد، ربما يكون أحد أسبابها هو أن فتى فى هذا العمر لم يجد من يرشده للطريقة المثلى للتعامل مع الوضع الجديد الذى صار عليه، لكن الدلالة التى بدت واضحة أننا نملك كنوزا بشرية حقيقية لم نحسن رعايتها واستغلالها، لتصبح هدفا سهلا لمن يريد هدمها.
بالطبع ليست هناك معلومات وافية عن هذه الحالة بالتحديد، لكنها تفتح الباب للتساؤل حول كثيرين مثله، كيف يمكن رعايتهم وتحصينهم، وهل تكفى المسابقات على كثرتها لدعمهم أم أنهم يحتاجون إلى رعاية خاصة بعدها، وبرامج تدريب وتأهيل على المستوى الفنى والنفسى وقبل ذلك كله وبعده برامج تثقيف خاصة تجعل من هذه الكنوز المحتملة كنوزا حقيقية.
ربما يكون الوقت قد حان للتفكير فى مدارس خاصة للموهوبين، ببرامج تعليم وتدريب خاصة حيث لا تكفى مجرد حفلات توزيع الجوائز وشهادات التقدير لحمايتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة