أبو حامد الغزالى فى ذكرى وفاته.. ماذا قال العقاد عنه؟

الخميس، 19 ديسمبر 2024 06:00 م
أبو حامد الغزالى فى ذكرى وفاته.. ماذا قال العقاد عنه؟ العقاد
كتب عبد الرحمن حبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تحل، اليوم، ذكرى وفاة الإمام أبو حامد الغزالى الذى لقب بألقاب كثيرة فى حياته، أشهرها لقب "حجّة الإسلام"، وقد رحل عن عالمنا فى التاسع عشر من ديسمبر عام 1111 ميلادية في طوس بإيران.

اشتهر الإمام "أبو حامد الغزالى" بردوده القوية على فلاسفة عصره، حيث انتقد أفكارهم وفندها، ورأى أن انتشار مناهج الفلاسفة وسط الناس قد سبب تشككهم في الدين وأدى إلى الانحلال الأخلاقي، لذلك قرر الغزالي أن يعكف على دراسة المناهج الفلسفية لكي يتسنى له الرد على بصيرة فخرج بكتابه الشهيرة "مقاصد الفلاسفة" الذي بين فيه المناهج الفلسفية وقسمها، وكتابه "تهافت الفلاسفة" الذي رد فيه على بعض فلاسفة المسلمين بعنف وصل به إلى اتهامهم بالكفر والابتداع، ولكن مع ذلك كانت كتبه من أول الردود العلمية والموضوعية التي قاومت الفكر بالفكر، حيث نقد أفكار الفلاسفة بشكل تفصيلي وتحليلي بل وفلسفي، ليحمل فكره طابعًا فلسفيًّا رغمًا عنه بحيث يمكن القول إن هناك فلسفة فكرية خاصة وضعها الغزالي وهو الأمر الذي يبينه العقاد في هذا الكتاب الصغير.

ويقول عباس محمود العقاد في كتابه فلسفة الغزالي: فلسفة الغزالي موضوع واسع الأطراف، بعيد الغور، إذا أردنا به تفصيل مذهبه في حقائق الوجود ومطالب المعرفة؛ لأنه بحث مع الفلاسفة كما بحث مع المتكلمين والمعتزلة، ومع الفقهاء والمتصوفة، ومع علماء الدين الإسلامي وغيرهم من علماء الأديان، وكان له في كل بحث من هذه البحوث اجتهاد من عنده وتعقيب على قول غيره، وموافقات تقترن بها مخالفات لكثير ممن ناقشهم وناقشوه، تتعذر الإحاطة بها في الحديث الواحد، بل يتعذر الإلمام بها في الحديث الواحد، إلا أن يكون من قبيل الفهارس التي تسرد العناوين ولا تتعداها إلى شرحٍ وافٍ أو إجمالٍ مفيد.

ولكنني لم أقصد بفلسفة الغزالي هذا القصد، وإنما قصدت بها "تفلسف" الغزالي أو ملكته الفلسفية، أو قدرته على بحث المسائل من الوجهة الفلسفية، وهو موضوع على اتساعه يتقبل التلخيص في مثل هذا الحديث، ويجزئنا فيه أن نعرف الملكة الضرورية للفيلسوف، وأن نعرف دلائل هذه الملكة في الإمام الكبير وهي ظاهرة بيِّنة في منهجه الذي يتوخاه كلما عرض لمسألة من مسائل الوجود، ولا سيما المسائل التي اصطلح الباحثون على تسميتها بمسائل "ما بعد الطبيعة".

لو سئل الغزالي رحمه الله: هل أنت فيلسوف؟ فما عسى أن يكون جوابه يا تُرى؟

أكبر الظن أنه كان يجيب بالنفي، ولا يعدو الحقيقة في نفيه شبهة الفلسفة عن نفسه، إذ كان للفلسفة في ذلك العصر مدلول غير مدلولها الذي نفهمه الآن في العصر الحاضر، وغير مدلولها الذي أراده من وضعوا الكلمة تواضعًا منهم، ولم يشاءوا أن يصفوا أنفسهم بالحكمة فقنعوا بمحبة الحكمة، وهي معنى كلمة الفلسفة باليونانية كما هو معلوم.

لقد كان معناها في عصر الغزالي أنها كلام يستحق منه الرد، ويظهر تهافته من المناقشة بالحجة والبيِّنة، ولولا ذلك لما اختار لمناقشته اسم "تهافت الفلاسفة" كأنه يعني به تهافت الفلسفة على الإطلاق.

فلو سُئل الغزالي: هل أنت فيلسوف؟ لأنكر انتسابه إلى القوم الذين يبطل حجتهم ويدحض آراءهم ويقضى على أقوالهم بالتهافت، وهو الضعف الذى لا يقوى المتصف به على التماسك والثبوت.

لكننا ننظر الآن إلى أقوال الغزالى فى مناقشته للفلاسفة فنعلم أنه ناقش الفلسفة بالفلسفة، وحطم السلاح بسلاح مثله، بيد أنه أنفذ وأمضى، فهو على هذا فيلسوف أقدر من الفلاسفة الذين أبطل حجتهم، أو هو فارس في هذا الميدان أو في عدة من سائر الفرسان، ولو أنه تصدى لهذه الصناعة بغير أداتها لما وضحت حجته بين الحجج ولا استطاع أن يكشف بطلانهم ولو كانوا مبطلين.

والواقع أن حجة الإسلام رضي الله عنه لم تكمل له أداة قط كما كملت له أداة الفلسفة، فهو عالمٌ، وهو فقيهٌ، وهو متكلمٌ، وهو صوفيٌّ ولا مراء، ولكن هذه المطالب لا تستغرق كل ملكاته ووسائله إلى المعرفة، وقد يبلغ فيها غايتها ببعض تلك الملكات والوسائل، وتبقى له بعدها ملكة لا ضرورة لها في غير الفلسفة وحدها، وأوجز ما يقال عنها بكلمة واحدة: أنها هي ملكة التجريد.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة