من أكثر الأمور غرابة والتي طرأت على الإعلام المصري منذ عدة سنوات ، وهو ضياع مفهوم مقدم البرامج ، سواء كان مذيع أو مذيعة ، ولا أعرف متى بدأ تماما هذا التغير ، ويتمثل في أن يقحم مقدم البرنامج نفسه في كل ما يقدم ويبدي وجهة نظره ويتحدث في الموضوعات من منظوره هو ، وتحولت البرامج إلى سباق بين مقدميها من الذي يتحدث مدة أطول ، وما هو الرأي الخطير الذي أشار به ، وكيف يدلل عليه حتى يثبت صحته ، ثم يإتي بضيوف ليؤكدوا هذا الرأي أو ينفرد هو أو هي بالحديث لأوقات طويلة مملة يتخذون فيها موقف الواعظ والعالم بأمور الحياة وبواطنها !
هذا هو التهريج بعينه ، فهؤلاء جميعا مع احترامنا الكامل لهم ليسوا متخصصين في أي شيءٍ سوى قدرتهم وإجادتهم لما يقدمونه ، وليس عليهم أبدا أن يتخذوا موقع الخبراء والعارفين والفاهمين لكل شيء ، بل إن هذا يضيع دورهم الحقيقي وهو طرح كل ما من شأنه إيصال المعلومة إلى المشاهد والمستمع عبر الحوار ودون تفلسف ، فالمذيعون أو المذيعات ليسوا مفكرين وليسوا خبراء ، وهذا لا يقلل منهم في شيء ، لكن اتخاذ موقعا ليسوا مؤهلين له هو ما يقلل منهم ومما يقدمونه .
الحقيقة أنني أشفق كثيرا على البسطاء من المشاهدين ، الذين يستسلمون لمثل هؤلاء ويعتبرون آرائهم هي الحقيقة الوحيدة ، وربما يكون هذا مقبولا أو أقل ضررا في الأمور السياسية ، لكن الخطورة هو تلك الآراء التي يتبرع بها البعض في الأمور العائلية والعلاقة بين الزوج والزوجة أو داخل الأسرة الواحدة ، وأيضا المسائل الدينية ، فنحن نعيش فوضى غريبة في مثل هذه الإمور ربما تسببت في تدمير أسر وخراب بيوت !
لقد لاحظت أن البعض يسعى وراء هذا ، بل ويزيد من تلك المظاهر على أمل شهرة أكبر أو تحقيق مشاهدات عالية ، وتلك أيضا ظاهرة جديدة ، تجعل السباق محموما والمشاهد هو الضحية أيضا .
منذ أيام شاهدت ڤيديو لإحدى المذيعات الشابات ، والتي لا أعلم إن كانت متزوجة أو لم تتزوج بعد وهي تكيل للمرأة انتقادات لا يمكن لسيدة أو فتاة تعيش في هذا المجتمع أن ترددها، كما لو كانت من كوكب آخر ، وأخرى لا تجد أي حلا للمشاكل الأسرية سوى الطلاق ، وثالثة تستعرض كراهيتها للرجل ، ومذيع لا يجد حرجا في الإفتاء في الاقتصاد وآخر في الدين وثالث في العلم ، وهكذا أصبح المشاهد نهبا لهؤلاء الذين لم يتعلموا الدرس الأول في الإعلام !
الدرس الأول هو ألا يبدي المذيع أو المذيعة رأي شخصي ، وأن عليه طرح كل الأسئلة التي يمكن أن تدور في ذهن المتلقي ، وبالطبع وكما نرى لا هذا ولا ذاك يفعله أحد ، بل تحول الأمر كله لاستفزاز يبتعد عن التمكن والعلم المهنية والحرفية الذين ذهبوا أدراج الرياح ولا يعلم أحد هل يمكن أن يعودوا أم علينا أن نترحم على أيامهم !
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة