العلاقات بين الدول لا تستند إلى الحب ولا تعرف المبادئ ولا تعشق لسواد العيون، ولكنها المصلحة وحدها هى التى تحدد هذه العلاقات وتوجه تلك التحالفات، وكم رأينا على مر التاريخ من صراعات بين امبراطوريات وحروب بين دول وتقاتل بين أنظمة ثم نرى العلاقات تتغير والأدوار تتبدل، ولكن كله من أجل المصلحة، ولذا قد يصبح وعلى أساس هذه القاعدة التى لا تخلو من النفعية ولا تضع اعتبارا للمبادئ أن نرى نتائج هذه المفاوضات التى تمت بين إيران ودول الخمسة + واحد التى انتهت إلى هذا الاتفاق الذى باركه وأيده مجلس الأمن وأغلب دول العالم كما باركته بعض دول الخليج مثل الكويت والإمارات وعمان فلم تعد بعد الآن أمريكا هى الشيطان الأعظم كما وجدنا الجميع يتسابق نحو دولة الشر «إيران» ليلحق مزيداً من التعاقدات والاستثمارات مع إيران بعد فك الحصار الاقتصادى عنها وبعد تدفق المليارات التى كانت محتجزة عليها وبعد دخولها فى سوق النفط بحجم إنتاجها الفعلى، وبالقطع فتسابق وزراء ألمان وفرنسيين وأمريكان وغيرهم إلى إيران ليس بسبب الاستفادة الاقتصادية فحسب، ولكن بالتأكيد لنجاح الإرادة الإيرانية بالرغم من سنوات الحصار والمحاصرة، تلك الإرادة التى مكنت إيران من إثبات أنها قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها خاصةً بعد دخولها بل تأثيرها المباشر فى دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن.
واستكمالاً للمشهد قد رأينا كالعادة إسرائيل تقود المعارضة ضد الاتفاقية، وبالطبع فهذا الموقف طبيعى ومعروف فهو يتسق ويتوافق مع المصلحة الإسرائيلية التى تعتمد على هذا الدور الذى يجلب لها المكاسب والذى رأيناه فى التأكيدات الأمريكية التى تضمن حماية إسرائيل والتعهد بتدفق الأسلحة إليها، وعلى الجانب الآخر وجدنا السعودية لا تعارض الاتفاقية فقط، ولكنها تحاول أن تخلق جبهة واسعة بقدر ما تستطيع فى مواجهة إيران كقوة إقليمية «للأسف شيعية» ستكون هى المستفيد الوحيد من هذه الاتفاقية وعلى حساب دول المنطقة خاصة دول الخليج، وهنا يمكن أن نجد مبررات للسعودية فى هذا الموقف، فالصراع السعودى الإيرانى واضح فى كثير من المواقع والمجالات، فالسعودية تقع وسط منطقة نفوذ إيرانى الآن، فاليمن فى الجنوب والعراق فى الشمال الشرقى، ناهيك عن الشيعة السعوديين فى الشرق، الذين يتم استغلالهم فى إنشاء دولة شيعية فى إطار التقسيم الطائفى للمنطقة، كما أن هذا الانقلاب الدراماتيكى الذى سيحدث فى العلاقات الأمريكية الإيرانية سيكون بلا شك على حساب العلاقة التاريخية الأمريكية السعودية، خاصةً بعد بداية العد التنازلى للنفط العربى، وفى ظل تغيير وتعديل الدور الأمريكى فى المنطقة والذى يعتمد الآن على تحقيق الإستراتيجيات الاستعمارية الأمريكية وتطبيقها على أرض الواقع مثل الفوضى الخلاقة ونظرية صراع الحضارات التى حولتها أمريكا من صراع إسلامى- مسيحى إلى صراع إسلامى- إسلامى سنى- شيعى بل أصبح «سنى- سنى»، وهذا هو الخطر الحقيقى الذى يهدد المنطقة بل العالم الإسلامى بأسره، فهل من مصلحتنا أن نسير فى تنفيذ هذا المخطط بأيدينا بدلاً من إسرائيل وأمريكا؟ وهل الصراع السنى الشيعى قد أصبح أهم وأخطر من الصراع فى مواجهة الصيهونية؟ وأين دور مصر فى هذه المعمعة؟ وهل هناك مشكلة شيعية فى مصر؟ ولماذا لا تكون هناك علاقات وتفاهمات بين مصر وإيران كقوتين إسلاميتين فى المنطقة مع العلم أن هناك علاقات دبلوماسية وتجارية بين إيران وكل دول الخليج بما فيها الإمارات المحتلة جزرها وأيضاً السعودية؟ الواقع بظروفة وتشابكاته وتحدياته يفرض على الدول العربية التوحد والتوافق وفتح صفحة جديدة مع إيران على أرضية المصالح المشتركة وعدم التدخل فى شؤون الآخر حتى لا نصبح أدوات لهدم أنفسنا ولصالح أمريكا وإسرائيل، والتوافق العربى هو الطريق لمواجهة كل التحديات المحيطة بنا. والله وأعلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة