كانت ثورة يناير ثورة ضد ذلك النظام الفاسد المستبد الذى جرف الوطن وجذّر الفساد، وأنتج تلك المشاكل الكارثية.. السياسية والاقتصادية، ومن المعلوم أن نجاح الثورة لا ولن يقتصر على إعادة ترتيب الداخل فقط، ولكن باستعادة الأوراق المصرية على المستوى العربى والأفريقى والإسلامى، وما يحدث على حدودنا الشرقية مع العدو الصهيونى ضد الفلسطينيين وضد المسجد الأقصى ليس ببعيد عن الثورة ونجاحها، فمشكلة الأقصى ليست مشكلة تخص الشعب الفلسطينى وحده ولا العالم العربى والإسلامى تحديدا، ولكنها مشكلة كل العالم المحب للسلام، بل مشكلة الإنسانية كلها، فهى مشكلة مركبة ومعقدة، لأنها سياسية فى شكلها الاستعمارى العنصرى البغيض الذى يستولى على الأرض بإقامة المستوطنات غير الشرعية التى تهدف إلى مزيد من سلب أراض وضمها للدولة الصهيونية تحديا لكل القوانين والأعراف الدولية، كما أن لها بعدها الدينى المرتبط بالمخطط الصهيونى فى المنطقة، فعملية تهديد المسجد الأقصى لا تعنى ضم قطعة أرض إلى إسرائيل، ولكن الهدف هو تحقيق تلك النبوءات التى يفسرونها على هواهم الصهيونى، بزعم أن اليهود فى معتقدهم الدينى مازالوا ينتظرون المسيح المخلص، وأن هذا المسيح لن يأتى إلا بعد بناء هيكل سليمان مرة أخرى، ولكى يبنى هذا الهيكل فلابد من هدم المسجد الأقصى، حيث إن هذا الهيكل يقع أسفل الأقصى، إذن فالهدف ليس تهديد الأقصى أو الاستيلاء عليه، ولكن هدم الأقصى مع العلم أن هذه النبوءة قد تمت بالفعل، فهيكل سليمان هدم أكثر من مرة قبل ذلك، كما أن المسيح قد جاء، وهو يحكم حكمًا روحيًا وليس حكمًا سياسيًا كما ينتظرون، والأهم أن هناك بعض الطوائف المسيحية فى أمريكا مازالوا يؤمنون بهذه الخرافة بأن المسيح سيأتى بعد بناء الهيكل ويحكم العالم ألف عام، وبالطبع يساعد هؤلاء الأمريكان الصهيونية فى هدم الأقصى لبناء الهيكل حتى يجىء المسيح ثانية، وهذه هى نظرية الصهيونية المسيحية المتأمركة، وهذا هو سر هذا الانكفاء تحت أقدام إسرائيل من قبل كل الإدارات الأمريكية خاصة منذ عهد ريجان الذى خرج علينا بعقيدة الولادة الثانية التى تعنى أن تكملة الإيمان المسيحى لا تكون بغير الإيمان بالمجىء الثانى الذى يرتبط ببناء الهيكل، وبالتالى هدم الأقصى، ولذا فمن الطبيعى أن نرى ذلك الانحياز الأمريكى لإسرائيل فى تحدى العالم كله باستعمال الفيتو فى مجلس الأمن لأكثر من ستين مرة ولصالح الصهيونية وما كامب ديفيد إلا معاهدة الهدف منها انسلاخ مصر من محيطها ودورها العربى والعمل على سلامة إسرائيل خاصة أن الغياب العربى لمصر طوال العهد الساقط جعل إسرائيل تصل إلى النيل بتلك المعاهدة، وبعد احتلال العراق قد وصلت إلى الفرات وبذلك تحقق الحلم الصهيونى للدولة الإسرائيلية والمسجل على جدران الكنيست بأن دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات.
ولذا فمعركة المسجد الأقصى ليست عربية أو إسلامية فقط، ولكنها مسيحية، عالمية أيضًا، لأن المقدسات الإسلامية والمسيحية هى رهن الصلف الإسرائيلى، وهى ملك للبشرية كلها، كما أن هذا المعتقد الصهيونى بالمجىء الثانى لا تؤمن به الكنائس التقليدية، ومنها الكنيسة المصرية، حيث إن تلك النبوءات قد تم تحقيقها وقد جاء المسيح وإلا لو آمن أى مسيحى بهذه النبوءات، فمن الطبيعى أنه لم يصبح مسيحياً بعد، بل يصير يهوديا ينتظر مجىء المسيح، فالمسجد الأقصى ومعركته رمز سياسى ودينى وإنسانى لابد من أن يهب الجميع لنصرته ولمقاومة هذا المخطط الصهيونى الدينى الذى يستهدف أيضًا مصر بدورها ومكانتها، فنجاح ثورة يناير لا ينفصل عن معركة الأقصى مع معاركنا الداخلية، فكلها معارك متداخلة ولا يمكن الفصل بينها، والأهم أن الشعوب لن تعود للوراء ثانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة